Close Menu
الساعة الآن 02:23 AM

منتديات ياكويت.

للتسجيل إضغط هنا

الابحاث وتطوير الذات تاريخ, جغرافيا, علم اجتماع, سياسة, اقتصاد واعمال, علم نفس, قانون

أدوات الموضوع
إضافة رد

Naser

:: عضو هام ::

بحث عن تجربة الخليل في اعادة اعمار البلدة القديمة

[hide]
تجربة الخليل في اعادة اعمار البلدة القديمة
دراسة تحليلية لتقييم التجربة ومقارنتها مع التجارب الاخرى
اعداد .- جهاد عبد اللطيف عوض

مقدمة

ان اهمية تجربة اعمار البلدة القديمة في الخليل لم تعد تقتصر على المستوى المحلي، بل تعدته لتصبح احدى التجارب الهامة على المستوى العالمي. ان تميز هذه التجربة جعلها موضع اهتمام العديد من المختصين في مجال الاعمار واعادة الاحياء للمدن القديمة. ولتقييم هذه التجربة وابراز جوانبها، فانه من الضروري مقارنتها مع تجارب اخرى والاستفادة من ايجابياتها والعمل على تجنب آثارها السلبية والمساعدة في وضع تصورات مستقبلية تحافظ على الانجازات الحالية.
ويهدف هذا البحث الى دراسة وتحليل بعض تجارب الحفاظ واعادة احياء المناطق القديمة في العالم العربي، وذلك من خلال توضيح السياسات المتبعة واظهار الجوانب الايجابية والسلبية لهذه التجارب. وقد تم اختيار الحالات الدراسية بناء على حجم المنطقة القديمة (مساحة وسكاناً)، عمر التجربة وحجم الانجازات، اضافة الى التنوع في السياسات المختلفة المتبعة في هذه الحالات. وتتراوح هذه الحالات من المدينة الكبيرة التي يسكنها 130 ألف (حلب القديمة)، الى المتوسطة التي يصل عدد سكانها الى25 ألف (اصيلة/ المغرب)، ثم احد الاحياء القديمة في تونس العاصمة (حي الحفصية) والذي يشكل 15% من مساحة المدينة القديمة. وبعد استعراض هذه التجارب يمكن ابراز جوانب التميز في تجربة الخليل ومحاولة توضيح اسباب نجاحها والخروج بتوصيات نحو المستقبل.

أولاً :- تجربة حلب في احياء المدينة القديمة
يمكن ايجاز المراحل التي مرت بها عملية الحفاظ على المدينة القديمة كما يلي:
- 1978 قامت وزارة الثقافة بتسجيل الاحياء داخل الاسوار كمناطق اثرية يمنع فيها الهدم والبناء ويسمح فقط بالترميم. كما تم تشكيل لجنة لحماية المدينة القديمة.
- 1979 طلبت لجنة المدينة القديمة مساعدة اليونسكو التي كلفت فريقاً من الخبراء بوضع تقرير للحفاظ على حلب القديمة وتطويرها، واوصى التقرير بالغاء المخطط التنطيمي داخل المدينة القديمة.
- 1983 تقرير ثاني لليونسكو يوصي بالعدول عن تنفيذ مشروع باب الفرج.
- 1983 عقدت الندوة العالمية لحماية حلب القديمة واوصت بالالتزام الكامل بسياسة الحفاظ وايقاف اعمال مشروع باب الفرج وادراج حلب في سجل مواقع التراث العالمي. كما تم في نفس العام تسجيل الاحياء التاريخية الواقعة خارج الاسوار كمناطق اثرية.
- 1985 تم تسجيل المدينة القديمة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي. كما تم ايقاف مشروع باب الفرج والغاء المخطط التنظيمي لمدينة حلب القديمة رسمياً. وتم لاحقاً تشكيل مكتب خاص بالمدينة القديمة في ادارة مدينة حلب.
- نهاية عام 1989 تم تقديم ورقة عمل لمشروع احياء مدينة حلب القديمة، لتشكل لاحقاً ورقة العمل هذه اساس السياسة المتبعة حالياً.
- 1990 تمت الموافقة مبدئياً على ورقة عمل المشروع من قبل مجلس مدينة حلب ولجنة المدينة القديمة.
- 1992 شكل مجلس مدينة حلب ادارة خاصة بالمشروع وتم توقيع اتفاقيتي تعاون مع الصندوق العربي ووزارة التعاون التقني الالمانية (GTZ) للمساهمة في دعم المشروع.
- بدأ "مشروع احياء حلب القديمة" فعلياً عام 1992 بعد العديد من اجراءات الحفاظ وسنين من الحوار وبعد وضوح الرؤيا حول الاهمية التراثية والاقتصادية والاجتماعية للمدينة القديمة.

أهداف المشروع
الهدف الاساسي للمشروع هو العمل مع سكان المدينة القديمة على وضع حد لتدهور احيائهم السكنية وتحسين الواقع المعيشي فيها بحيث يجاري الحياة العصرية عبر خطوات اهمها:
• خطة ارتقاء ونظام عمراني لتوصيف وتثبيت الفعاليات ومعالجة مشاكل الترميم والبناء وحركة المرور.
• تحسين الخدمات العامة والخاصة.
• تقديم المساعدة المالية والفنية للسكان لاصلاح بيوتهم.
• دراسة واصلاح الخدمات العامة.
• المشاركة في دراسة وتنفيذ مشاريع عمرانية انمائية تتناسب مع واقع المدينة القديمة.
مراحل المشروع
1- اعداد الدراسات والمسح والتوثيق الكمي والنوعي للاوضاع العمرانية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية ووضع السير والنقل والازقة والاماكن العامة وتوصيف الخدمات والبنية التحتية.
2- وضع خطة ارتقاء شاملة للمدينة القديمة تتضمن التطور التاريخي واسس التخطيط السابقة ونظام التخطيط المعتمد حالياً ثم تحدد اهداف واستراتيجيات العمل على اساس تطوير ومعالجة المشاكل المتعلقة بالمواضيع التالية:
استعمالات الاراضي- السكن والسكان- الاقتصاد- البيئة- السير والنقل- البنية التحتية والخدمات العامة- البنية الاجتماعية- الحفاظ على المباني التراثية الهامة- المشاركة السكانية.
وتعتمد خطة الارتقاء على مبدأ التخطيط الشامل، وهو نظام "الخطة المتكاملة" ويعني ان يتم التطبيق المبدئي للأولويات المعتمدة في نفس الوقت الذي تتم فيه الدراسات النظرية الشاملة.
3- المشروع الرائد Pilot Project الذي يهدف الى العمل مع السكان على رفع مستوى البيئة السكنية في الحي لضمان استمرارية الفعالية السكنية فيه وذلك بتحديث البنى التحتية والخدمات وتنظيم السير والفعاليات الاقتصادية وتحديد استعمالات الاراضي.

الاعمال المنجزة
- تم اجراء العديد من المسوحات العمرانية والاجتماعية الكمية والنوعية، وتم توثيقها وتحليلها واستكمال مخططات شاملة للمدينة القديمة وتقارير عن الاوضاع الانشائية والمعمارية والاجتماعية والاقتصادية والسير والمشاه والبنية التحتية والخدمات العامة واستعمالات الاراضي.
- يفترض مع انتهاء عام 1998 ان يتم الانتهاء من اعداد خطة الارتقاء الشاملة والتي تقترح حلولا واستراتيجيات للعشرين سنة القادمة. وقد تم استكمال ما يلي:-
• اولويات التدخل في المناطق المختلفة (من ضمنها اختيار منطقة المشروع الرائد).
• وضع مخطط عام لاستعمال الاراضي.
• وضع معايير للتصميم المعماري والعمراني لاعمال الاصلاح والترميم.
• اقتراح شامل لتعديل نظام ضبط البناء في المدينة القديمة.
• دراسات المشروع الرائد الشاملة وبداية دراسات لمناطق اخرى.
• الدراسات التنفيذية لاستبدال البنية التحتية في عدد من المناطق.
• دراسات اولية لتنظيم المرور في المدينة القديمة بشكل عام.
• خطط لتفعيل السكان ومشاركتهم في اعمال التخطيط والتنفيذ.
- تم انجاز جزء كبير من دراسات البنية التحتية وتنفيذ بعض الاعمال من استبدال لشبكتي المياه والصرف الصحي في بعض المناطق، اضافة الى تمديد شبكات الهاتف تحت الارض.
- تطوير صندوق الاقراض وزيادة رأسماله، وسيتم انشاء صندوق اقراض للاستثمارات الصغيرة والمتوسطة لاعمال تنشط اقتصاد المدينة القديمة.
- تم تحديد منطقة المشروع الرائد (حي باب قنسرين) ومساحته 6.5 هكتار (حوالي 1.8% من المساحة الكلية للمدينة القديمة) ويشتمل على 130 داراً يسكنها حوالي 1300 نسمة (حوالي 200 أسرة). وقد تم انجاز ما يلي:
• وضعت مخططات لاستعمال الاراضي وتعديلات على النظام العمراني.
• وضعت خطط لمشاريع غرضها اصلاح المنطقة على كافة الاصعدة وجعلها اكثر جاذبية للسكان، وذلك من خلال:
1- ترميم نموذجي لمنطقة ذات طابع تجاري ويحتوي على مباني تاريخية هامة مثل الخانات وبيمارستان. حيث سيتم ترميم الواجهات المطلة على الشارع اضافة الى اعادة رصف الشارع بعد استبدال البنية التحتية
2- ترميم نموذجي ذو طبيعة سكنية، ويهدف الى مساعدة سكان الدور ورفع مستوى سكنهم عن طريق القروض وكذلك ازالة الفعاليات الصناعية واستبدالها بالسكن عبر تحديد استعمالات الاراضي وايجاد البدائل للورشات الصناعية خارج المدينة القديمة .
• تم وضع معايير للتصميم العمراني لنقاط التقاء الشوارع لتنظيم الفراغات العمرانية .
• تم تحديد مسار سياحي يصل بين جميع المعالم السياحية
• تم دراسة ملاعب للاطفال .
• سيتم انشاء نقطة صحية لتقديم خدمات الاسعاف وتنظيم الاسرة .
• تم انجاز دراسات لعدة مباني تاريخية ويتم اعداد دراسات ترميمية وتوثيقية لمباني تملكها مؤسسات حكومية.
• تم عمل دراسات مماثلة للمشروع الرائد في مناطق اخرى.
بعد دراسة تجربة حلب لاحياء المدينة القديمة فانه من الواضح ان هناك تعثر في اعمال التنفيد وان الاهتمام الاكبر كان لاعداد الدراسات التي استغرقت وقتا طويلا، اما الانجازات الفعلية والاعمال المنفذة فان نسبتها تكاد لا تذكر بالمقارنة مع حجم المدينة القديمة وعدد سكانها. والجانب الهام الذي تم انجاز بعض اعماله هو البنية التحتية. اما الناحية الادارية فقد تم مؤخرا وضع هيكلية لادارة خاصة (مديرية المدينة القديمة). وبالرغم من كل الاجراءات المتخدة لحماية المدينة القديمة، الا ان هجرة السكان للمدينة القديمة استمر في التسارع. ويمكن تلخيص النقاط التي لم يتطرق اليها مشروع احياء حلب القديمة على النحو التالي:
1- رغم سياسة القروض المتبعة والتي تقدم للمالكين من ذوي الدخل المحدود، الا انها تقتصر على اصلاح الحالات التي تشكل اخطارا انشائية، وبذلك فانها لا تغطي كافة المباني والسكان.
2- رغم بعض الاعفاءات والتسهيلات والدراسات بدون مقابل، الا ان التنفيذ يعود للمالك، وهذا يؤثر على مستوى ونوعية الاعمال المنفدة.
3- لا توجد سياسة واضحة للتعامل مع الملكية وغياب آلية التعامل مع المشاكل الناجمة عن ذلك فيما يتعلق بتعدد الملكية.
4- لا يوجد تصور او سياسة للتعامل مع موضوع تجزئة البيوت الكبيرة والاكتظاظ واعادة التوزيع.
5- عدم وجود آلية للتعامل مع المالكين والمستاجرين ومستوى الايجار.
6- عدم وجود تصور واضح لمدى وحجم تدخل الجهة القائمة على المشروع او القوانين الموضوعة بالتغيرات الداخلية في البيوت.

ثانياً:- تجربة اصيلة في اعادة تاهيل المدينة القديمة والحفاظ عليها بدأت هذه التجربة عام 1976 عندما قام بعض أعضاء المجلس البلدي بتنظيم حملة لنظافة المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 25 ألف نسمة (خمسهم يعيش في المدينة القديمة ). وفي عام 1978 تم دعوة عدد من الفنانين ليقوموا بمشاركة الاطفال في اعمال الرسم والدهان على بعض جدران المدينة، بعد ذلك وخلال اسبوع شارك كافة المواطنين باعمال تنظيف المدينة. ثم قامت البلدية بعد اقتناعها بالفكره بتبليط الشوارع بطريقة فنية، وبعد ذلك بدأ الاعداد لتنظيم مهرجان اصيلة الثقافي، وتم تأسيس جمعية ثقافية لهدا الغرض. وفي مواجهة بعض المشاريع السياحية الاستثمارية قامت الجمعية بحملة اعلامية على المستوى المحلي والوطني للتحذير من الآثار السلبية لهذه المشاريع وتدعو للحفاظ على المدينة القديمة وتطالب باحترام القيم الاجتماعية وعدم المتاجرة بطريقة حياة الناس وبيئتهم.
تواصلت الاستعدادات للمهرجان الثقافي، حيث تم ترميم احد القصور الهامة في المدينة لاستضافة نشاطات المهرجان واقامة المدعوين للمشاركة فيه. وقد تم دعوة العديد من الكتاب والمفكرين والفنانين المحليين والعالميين للمشاركة في نشاطات اول مهرجان ثقافي عقد عام 1978. بعد هذا المهرجان تشجعت بعض الهيئات الحكومية لتحسين البنية التحتية للمدينة القديمة. وبقيت الجمعية هي المسئولة عن كافة النشاطات التي تهدف الى الحفاظ على المدينة القديمة واعادة احيائها، الى ان اصبح احد اعضاء هذه الجمعية رئيساً للمجلس البلدي عام 1983، والذي اصبح لاحقا وزيراً للثقافة.
ان الهدف الرئيسي هو ترميم المدينة القديمة بمشاركة السكان لاستضافة النشاطات الثقافية في مواسم المهرجانات الصيفية. وعلى سبيل المثال، فانه وفي كل عام يقوم حوالي 500 طفل بالتسابق لتنظيف شاطىء أصيلة. واذا اراد السكان تبليط شارعهم فان عليهم اما توفير المواد اللازمة او الايدي العاملة. وكما يقول المسئولون فان الموضوع الأهم ليس فيما اذا كانت أصيلة قادرة على بناء البنية التحتية ام لا، بل هو مشاركة السكان في ذلك من اجل تقدير ما يقومون به وشعورهم بالمسئولية تجاهه.
الفكرة الأساسية هنا هي جعل الثقافة مصدراً لدخل السكان المحليين، وتم التركيز أولا على تحسين البنية التحتية، ترميم المباني التاريخية، انشاء مباني حديثة لاستبدال بقايا منشآت مهدمة، اعادة تنظيم الفراغات العامة للنشاطات التجارية، رصف الشوارع بطرق فنية واستخدام الجداريات لفنانين محليين. كما بدأت المدينة حملة لدعوة المهنيين والمتعلمين واقاربهم ممن يملكون عقارات في المدينة القديمة لترميمها باستخدام المفردات التقليدية. واستجاب لهذه الدعوة العديد من المتعلمين والفنانين، سواء من اصيلة او من مناطق اخرى في المغرب، والذين قاموا بشراء بعض المباني وترميمها. وبناء على قول المسئولين فان ما يزيد عن 60% من مباني اصيلة قد تم ترميمها.
ويشتمل برنامج اعادة التأهيل كذلك على:
1. ترميم احد القصور الكبيرة ليضم مراسم ومشاغل وقاعة اجتماعات ثقافية.
2. بناء مركز معارض.
3. مسرح في الهواء الطلق داخل المدينة القديمة.
ان السياسة المتبعة هنا في اعادة التأهيل تنطلق من التركيز على توفير البنية التحتية الثقافية وتجنب بناء الفنادق والمنتجعات السياحية، على فرضية ان ذلك سيعود بالفائدة على السكان المحليين. وتعتمد الفلسفة هنا على مبدأ عدم انشاء مجمعات سياحية وفنادق حديثة وانما اعادة استخدام البيئة المبنية المتوفرة من خلال ترميمها.
لقد اعتمدت التجربة في اصيلة على المبادرات والخبرات المحلية وبجهود ذاتية دون أي عون من حكومة او جهات اجنبية. ومن اهم ايجابيات هذه التجربة نجاحها في تحريك القوى الذاتية لسكان المدينة ليصبحوا مسئولين عن صيانة منازلهم والبيئة المحيطة. كما ان اعمال التطوير واعادة التأهيل لم تكن على حساب القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية.
اما المشاكل التي افرزتها وتعاني منها هذه التجربة فانه يمكن تلخيصها على النحو التالي:-

1- التبدل والتغير في التركيبة الاجتماعية، اذ ان السكان غير القادرين على اعمال الترميم يفضلون بيع عقاراتهم التي ارتفعت قيمتها الى اناس في معظمهم من خارج اصيلة. وهذا قد يؤدي الى تحول المدينة القديمة الى واحة من الفنانين والاثرياء والشعراء والى فقدان المدينة لسكانها الاصليين.
2- البنية التحتية المجهزة للنشاطات الثقافية يقتصر استخدامها فقط على فترة الصيف اثناء مهرجان الثقافة، ولا يوجد لها استخدام آخر باقي الفصول.
3- لا تعود الفائدة من المهرجان الثقافي على كافة السكان ، بل ان معظمهم غير قادر على المشاركة فيه، وحتى الذين يحققون بعض الدخل خلال تلك الفترة، يفضلون توفير هذا الدخل لباقي اشهر السنة.
4- لا يسمح بانشاء صناعات الا تلك التي لها علاقة بالثقافة ونشرها.

ثالثاً :- تجربة التجديد الحضري وإعادة تعمير حي الحفصية في تونس
يشكل حي الحفصية نسبة 15% من مساحة المنطقة القديمة في العاصمة تونس. وقد بدأت حالة التردي لهذا الحي بعد هجرة سكانه الأصليين وازدادت بعد تهدم أجزاء كثيرة منه أثناء الحرب العالمية الثانية وأصبح معظمه متهدما تماما.
قامت "جمعية الحفاظ على المدينة القديمة" عام 1975 بوضع مخطط للحفاظ على المدينة القديمة، وتم تحديد حي الحفصية كمنطقة ذات أولوية لتنفيذ مخطط التجديد الحضري.
المرحلة الأولى من المشروع والتي انتهت عام 1980 حازت على اهتمام واسع بسبب القدرة على احتواء مقترح سابق لتطوير واسع النطاق ليس في الاتجاه السليم0 وقد كان ذلك من خلال انشاء سوق مغطى يربط بطريقة عضوية بين جزئي المدينة القديمة، وكذلك من خلال انشاء مباني مكاتب ومساكن تحاكي النسيج التاريخي، وقد أعطي أهمية كبيرة للحفاظ على علاقة انسجام مع تركيبة وتكوين المدينة القديمة0 اذ تم في المباني الحديثة أثناء عمليات الاحلال واعادة البناء مراعاة بعض الأسس المعمارية والعمرانية التي كانت تحكم المدينة القديمة بهدف ايجاد التواصل والتجانس مع النسيج العمراني المحيط بالحي، وذلك من خلال استخدام الأفنية الداخلية والأقواس وتدرج الفراغات والطرق المغطاة والمتعرجة وغير النافذة.
بالاضافة إلى سياسة التجديد البناء فقد تم ترميم واعادة استخدام بعض المباني الأثرية وتحويلها إلى متاحف ومباني ادارية مكتبية0 الا أنه عدم مشاركة السكان في أعمال التطوير وعدم استفادتهم منها يؤكد تركيز المشروع على العائد الاقتصادي والقيمة الرمزية للمنطقة على حساب الجوانب الاجتماعية للسكان .
من الواضح أن سياسة الحفاظ التي اتبعت هنا اهتمت بالمظهر المعماري والعمراني التقليدي، دون الدخول في الفهم العميق للقواعد والمبادئ التي شكلت النسيج العمراني للمدينة القديمة. ويمكن القول العملية بلغت أهدافها في الميدانين العمراني والمعماري، الا أنها وفي الوقت ذاته أنشأت وضعا جديدا يتمثل في تغيير التركيب الاجتماعي للمنطقة. فقد أدت عمليات تحسين وتجديد المرافق وبناء الوحدات السكنية الفاخرة إلى نزوح السكان الأصليين نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي والوحدات السكنية وعدم قدرتهم على الدفع، مما اضطرهم إلى مغادرة الحي وتركه لمن لديه قدرة شرائية أكبر، وبذلك فقدت هذه المنطقة التاريخية استمرارية وتواصل هيكلها السكاني بخصائصه الاجتماعية والاقتصادية.
كان الهدف من الوحدات السكنية في المرحلة الأولى هو توطين السكان ذوي الدخل المنخفض ونقلهم من الأحياء المجاورة للسكن في هذا الحي، الا أن الذين سكنوا هذه الوحدات هم من الفئة الغنية، ومن المشاكل التي أصبحت تعاني منها المنطقة هي تجزئة البيوت، سواء من قبل الفقراء بهدف زيادة الدخل أو من قبل الأغنياء للاستثمار0 وأصبح ثلث المساكن تقريبا مأهولا بعائلتين أو ثلاثة في نفس الوحدة، كما أن هناك مشكلة التوسعات التي وصلت أحيانا لاضافة ثلاث غرف، بالرغم من مراعاة ذلك في التصميم وتوفير المرونة لبعض أعمال التوسعة.
رغم النجاح الجزئي الذي حققته المرحلة الأولى من المشروع، الا أن التدهور استمر في المدينة القديمة، مما استدعى البدء بتنفيذ مرحلة ثانية، ساهم بتمويلها البنك الدولي والحكومة التونسية0 لم تختلف الأهداف العامة للمرحلة الثانية عن أهداف المرحلة الأولى كثيرا، الا أنه تم اضافة مكونات هامة مثل: تمديد وتحسين الخدمات والمرافق وشبكة الطرق، ترميم المنشآت القائمة، انشاء وحدات سكنية جديدة وفراغات تجارية ومكاتب، مواقف سيارات تحت الأرض، ومرافق عامة في مواقع تم تفريغها بعد الهدم.
تمت اعادة تأهيل المنشآت من خلال نظام القروض بشكل جيد، فقد تم تشجيع السكان لتملك وترميم مساكنهم من خلال صندوق وطني، وبذلك وصلت نسبة الملكية الخاصة حوالي 80%، وبإلغاء قانون تثبيت الايجارات أزيلت أكبر عقبة تواجه إعادة الاحياء للوحدات المؤجرة والممولة بهدف استثماري.
لقد نجحت المرحلة الثانية في تحسين الطابع المحلي للمنطقة، ماديا وثقافيا، وتم اعادة تأهيل أو إعادة إنشاء النسيج التقليدي وتطوير البنية التحتية0 وشهدت المنطقة تحسينات هامة في ظروف المعيشة وازديادا في النشاط التجاري أدى إلى خلق مشكلة ازدحام المواصلات، وبعد ارتفاع قيمة وسعر العقارات، قام العديد من المستثمرين بشراء مناطق سكنية بهدف انشاء مواقع تجارية .

جوانب التميز والنجاح في تجربة الخليل
لقد تركزت جهود الاعمار منذ البداية لتحقيق الأهداف التالية:
1) المحافظ على الموروث الثقافي في البلدة القديمة وإظهار طابعه العربي الاسلامي ونقله بحالة آمنة للأجيال القادمة.
2) إعادة الحياة الطبيعية والتوازن الديمغرافي في البلدة القديمة، وذلك من خلال وقف هجرة السكان منها وتثبيتهم فيها وتشجيع ونقل سكان جدد إليها.
3) محاصرة وتطويق البؤر الاستيطانية وعدم إعطائها فرصة الامتداد والتوسع، وذلك من خلال تشكيل حلقات من المباني المأهولة في محيطها.
4) تعزيز ارتباط سكان المدينة ببلدتهم القديمة.

و قد انطلقت عملية اعادة الاعمار و التأهيل من مفهوم الحفاظ على القيم التاريخية و الاثرية للمباني القديمة كما هي لتكون سكنا مناسبا يتوافق مع متطلبات حياة الاسرة العصرية . و اعتمدت فلسفة الترميم على اعادة استخدام المباني السكنية الكبيرة كشقق سكنية لاسر نووية صغيرة تتوفر فيها الخدمات اللازمة و تفي بالاحتياجات الضرورية المعاصرة للاسرة ، وذلك من خلال اجراء التعديلات الضرورية و بالحد الادنى الممكن من التغيير في العناصر المعمارية و الانشائية ، من اجل المحافظة على اهمية هذه المباني و قيمتها التاريخية والاثرية . اضافة لذلك فقد تم الحرص على توفير الخصوصية و الظروف البيئية الملائمة و كذلك حرية الحركة و سهولة الانتقال . و لم يقتصر العمل على ترميم و تاهيل مباني سكنية، بل تعداه ليشمل ترميم مباني عامة و توفير خدمات بنية تحتية لمناطق باكملها ( د. القواسمي/ مرقة/دنديس،1998) .
و من خلال مقارنة الانجازات التي تمت مع الاهداف التي وضعتها لجنة الاعمار ، يتضح مدى نجاح هذه التجربة في تحقيق معظم اهدافها حتى الان و خلال فترة قصيرة نسبيا بالمقارنة مع التجارب الاخرى . فقد تم صيانة النسيج العمراني التقليدي للبلدة القديمة و المحافظة على طابعها المعماري الاصيل و تدعيمه دون اية اضافات او تغييرات تذكر . كما ان النشاط التجاري قد تحسن بشكل كبير وعادت الحياة تنبض من جديد في بيئة كانت تعاني من التدهور السريع ، ماديا واجتماعيا . لقد توقفت هجرة السكان من البلدة القديمة و عادت حتى الان اكثر من 150 اسرة للعيش و الاقامة فيها . و قد اعطيت الاولوية في الترميم و اعادة التاهيل لتلك المباني التي تحيط بالبؤر و التجمعات الاستيطانية رغم الصعوبات و المشاكل التي تعيق ذلك . اما تعاون السكان و مشاركتهم و تضافر الجهود في مواجهة الاخطار و التحديات القائمة فهو مؤشر واضح على مدى ارتباط سكان المدينة ببلدتهم القديمة .
ان تجربة اعمار البلدة القديمة في الخليل تجاوزت المستوى المحلي في ايجاد حلول لها قيمة رمزية هامة . فقد تم اشراك المجتمع المحلي بشكل فعلي ، و بمساعدته تحولت البيئة شبه المدمرة الى فراغ اجتماعي جميل ، و اصبحت ممارسة العمارة عبارة عن عمل اجتماعي وعقائدي . و كان لابد من مواجهة عدة مواضيع حساسة مثل: الارض ، الملكية، الهوية والوعي الثقافي والتاريخي .
و قد تم التعامل مع هذه المواضيع بطريقة عملية و فعالة دون الإخلال بالتركيبة الاجتماعية للمدينة و بدون نزع ملكية المباني من السكان الأصليين . ان اهمية سياسة الترميم المتبعة للمباني السكنية لا تكمن في إعادة التأهيل فقط ،بل في إعادة هذه المباني لاصحابها واعطائهم حق التصرف في كيفية استخدامها ضمن نظام محدد للتأجير لضبط نسبة المستأجرين للمالكين .
و كما ورد في تقرير اللجنة المحكمة لمنح جائزة الاغا خان ،فان تجربة الخليل تعتبر استثنائية من حيث انها تمثل مغادرة للاساليب و التوجهات العادية في إعادة الاحياء و في القدرة على استصلاح فراغ اجتماعي ضمن بيئة متدهورة ، و بجهود و مشاركة مجتمع يعيش تحت الحصار. كما عبرت اللجنة عن تقديرها لمهارات و كفاءة و شجاعة المجتمع، بالاضافة إلى الاعمال المعمارية الملائمة و الدور المستقبلي الواعد للمدينة المعمرة . اضافة إلى ذلك فان مثل هذا التوجه قابل للتطبيق و يصلح لمناطق حضرية اخرى في اجزاء عديدة من العالم (davidson , 1998, p.10,p39) .

العوامل التي ساهمت في نجاح تجربة الخليل :
في محاولة للتعرف على اسباب نجاح و تميز تجربة الخليل فانه يمكن تحديد العوامل التي ساهمت بشكل او بآخر في إنجاح هذه التجربة على النحو التالي:

1- التعامل مباشرة مع الواقع و التعرف على المشاكل و اقتراح حلول مبنية على هذا الواقع و ليست مبنية على نظريات و دراسات بعيدة عن الواقع، اضافة إلى المتابعة واعادة التقييم بناء على البحث الاجتماعي .
2- فهم واضح لاحتياجات السكن المعاصر و ادراك لطبيعة البيوت التقليدية القديمة و التعامل معها بحساسية مما ساهم في وضع حلول مناسبة تعطي الاولوية لتوفير احتياجات السكان و احياء التراث باستعماله وليس تجميده و النظر اليه .
3- الفئة المستهدفة في اعادة الاعمار هم بالدرجة الاولى سكان البلدة القديمة، وانطلاق اعادة الاعمار من التعامل مع الفراغات الخاصة داخل البيوت وليس العكس . ولذلك كان الاهتمام و التركيز منصبا بشكل رئيسي على التغييرات الداخلية في البيوت وليس على المظهر الخارجي .
4- خطر متزايد و توسع سريع للبؤر الاستيطانية يتطلب تصدي سريع .
5- اهداف واضحة ومحددة وسرعة المباشرة في التنفيذ.
6- تضافر الجهود وتوحيدها في اطار واحد وتعاون لابعد الحدود بين مختلف الجهات والهيئات وقبل كل شيء تعاون السكان ومشاركتهم الفاعلة.
7- ادارة ناجحة تسعى لتحقيق اهداف جماعية عامة بعيداً عن تسليط الاضواء على العمل الفردي الذي ينصهر في سبيل تحقيق المصلحة العامة.
8- وضع حلول عملية لواحدة من اهم المشاكل التي تواجه اعادة الاعمار وهي مشلكة الملكية بحيث تتضمن هذه الحلول بقاء الملكية للسكان والمالكين الاصليين قدر الامكان.
9- الاعتماد بشكل اساسي على الخبرة المحلية وبناء وتطوير هذه الخبرة من خلال التجارب العملية.
10- الجزء الاكبر من البيوت مهجور وهذا لا يعيق اعمال الترميم والاضطرار لنقل الساكنين بشكل مؤقت.
11- دعم حكومي وتوفر دعم مادي.
12- لجنة الاعمار هي التي تقوم باعمال الترميم وليس السكان وهي الجهة التي تضع التصورات وتقترح الحلول وبنفس الوقت تتابع تنفيذها.
13- هيئة مستقلة منفصلة اداريا عن البلدية وتحظى بدعم رسمي وجماهيري.
14- تحقيق فائدة اقتصادية وتوفير فرص عمل.

خلاصة
ان التميز في تجربة الخليل لاعادة اعمار البلدة القديمة يمثل نجاحاً استثنائياً بكافة المقاييس وبشهادة العديد من الخبراء الدوليين، وهذا يدعو دراسة هذه التجربة من كافة جوانبها والتعمق في تحليلها لاستخلاص العبر والدروس التي يمكن الاستفادة منها في التعامل مع مناطق تاريخية اخرى، سواء على المستوى المحلي او العالمي.
ولا بد من وضع خطط مستقبلية للحفاظ على الانجازات التي تم تحقيقها، وتطوير العمل واعادة تقييمه باستمرار. كما لا بد من اعداد تصورات لآلية التعامل مع الوضع الجديد واعادة ترتيب الاولويات وتدعيم السياسات التي تعمل على تثبيت السكان ورفع مستوى الوعي وادراك اهمية ما تم تحقيقه وخلق الشعور لديهم بضرورة الحفاظ عليه واستمرار صيانته.
كذلك فانه من الضروري البدء بالتفكير بالدور المستقبلي الذي ستقوم به لجنة الاعمار وتحديد طبيعته وفقاً للوضع الجديد والتغيرات المرافقة بعد اكتمال عملية اعادة الاعمار وتحقيق كافة الاهداف التي وضعت لهذه المرحلة.


المراجع

- لجنة اعمار الخليل: انجازات وطموحات، 1999.
- د. خالد القواسمي/ م. حلمي مرقة/ م. نهى دنديس: دروس وعبر مستقاة من ترميم واعمار المباني القديمة بالخليل، ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر العربي لترميم واعادة تأهيل المنشآت المنعقد في القاهرة/ مصر في الفترة ما بين 16-19 أيلول 1998.

- المعهد العربي لانماء المدن: الحفاظ على التراث المعماري الاسلامي، اعمال وتوصيات وبحوث مؤتمر الحفاظ على التراث الحضاري المعماري الاسلامي في المدن (22-26 ابريل 1985، اسطنبول/ تركيا)، الرياض 1989.

- المعهد العربي لانماء المدن: ندوة مراكز المدن العربية- اعادة التأهيل عمرانياً، حضرياً، اجتماعياً واقتصادياً. البحوث واوراق العمل المقدمة في الندوة المنعقدة ما بين 10-12 تشرين ثاني 1998 في مدينة حلب / سوريا.

- مجلس مدينة حلب: مشروع احياء مدينة حلب القديمة وانمائها اقتصاديا واجتماعيا والحفاظ على تراثها الحضاري، حلب 1991.

- حسن، احمد: "اطار نظري مقترح لسياسات التعامل مع المناطق التاريخية"، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة مراكز المدن العربية المنعقدة في حلب، المعهد العربي لانماء المدن، 1998.

- بينوس، جميلة: "مبادىء الصيانة وقضية التجديد: تجربة الحفصية"، في : أبحاث من ندوة المدينة العربية – خصائصها وتراثها الحضاري الإسلامي، تحرير اسماعيل سراج الدين وسمير الصادق ومن اصدارات المعهد العربي لانماء المدن، 1982.


- Akbar, J.: Rehabilitation of Asilah, technical review summary for the Aga Khan Award for Architecture, 1989.

- Antoniou, Jim: Islamic Cities and Conservation, The Unesco Press, 1981.

- Awad, J.: “The Experience of Conservation in Palestine”, in Traditional Dwellings and Settlements- Working Paper Series, vol. 111, Center for Environmental Design Research, Berkeley, 1998, pp. 21-42.

- Cantacuzino, S.(ed.): Architecture in Continuity- Building in the Islamic World Today, The Aga Khan Award for Architecture, Published by Aperture, 1985.

- Davidson, C. (ed.): Legacies for the Future- Contemporary Architecture in Islamic Societies, The Aga Khan Award for Architecture and Thames and Hudson Ltd, London 1998.

- Davidson, C./Serageldin, I. (eds.): Architecture beyond Architecture, Academy Group Ltd and The Aga Khan Award for Architecture, 1995.

- Holod, R. (ed.): Conservation as Cultural Survival, The Aga Khan Award for Architecture, 1980.

- Qudsi, Adli: “The Rehabilitation of Old Aleppo”, in TRIALOG, 40,
(special issue on Historic Cities in the Islamic World), 1994, pp. 19-22.

- Steele, J. (ed.): Architecture for Islamic Societies Today, The Aga Khan Award for Architecture and Academy Group Ltd., 1994.

[/hide]

فرفوشه

:: ضيف شرف ::

#2

عبير الزهور

:: عضو ألماسي ::

#3

hm00m

:: عضو جديد ::

#4
يسلموووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو وووووووو

حبيبها

:: عضو فعال ::

#5
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية
إضافة رد


يشاهدون الموضوع : 1 ( عضو0 زائر 1)
 

الانتقال السريع