Close Menu
الساعة الآن 03:04 PM

منتديات ياكويت.

للتسجيل إضغط هنا

أدوات الموضوع
إضافة رد

بنت السلطنة

:: عضو نشيط ::

بحوث مختلفة ومتنوعة ....... لكم اعزائي الطلبة

مرحبا اعزائي هنا وبسبب الزحمة وانشغال الطلاب عن المذاكرة وبسبب النظام الجديد سوف نقوم بمساعدة طلابنا في عمل بحوث وتقارير جاهزه اتمنى ان يستفيدون منها


( مصعب ابن عمير من الترف إلى الشظف)

كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - أول سفير يبعث من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ليعلم أهلها الإسلام ويدعوهم إلى الإيمان.
يروي ابن إسحاق أنه بعد بيعة العقبة الأولى، وانصراف الأنصار، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين فعن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: "أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانوا يقرئُون الناس، فقدم علينا بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر ابن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي( ص) ، ثم قدم النبي( ص) ، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فما قدم حتى قرأت: "سبح اسم ربك الأعلى" .. في سور من المفصل (1).
ونزل مصعب على أسعد بن زراره، فكان يُسمى بالمدينة المقرئ، وكان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمّوا بعضاً رضي الله عنهم أجمعين ..

نموذج لصدق الداعية وحكمته
===================
عن ابن إسحاق أن أسعد بن زراره خرج بمصعب بن عمير، يريد به دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطاً من حوائط بني ظفر، على بئر يقال له: بئر مرق، فجلسا في الحائط، واجتمع إليهما رجال ممن أسلموا، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به، قال سعد لأسيد، لا أبالك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا؛ ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما أن يأتيا دارينا، فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت، كفيتك ذلك، هو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدماً.
قال فأخذ أسيد بن حضير حربته، ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة، قال لمصعب: هذا سيد قومه، وقد جاءك، فاصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه.
قال: فوقف عليهما متشتماً، فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. وقال موسى بن عقبة: فقال له غلام: أتيتنا في دارنا بهذا الغريب الطريد، ليتسفه ضعفاءنا بالباطل، ويدعوهم إليه. فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره؟
قال: أنصفت، قال: ثم ركز حربته، وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، في إشراقه وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر، وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي، فقام فاغتسل، وطهر ثوبيه، وتشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما، لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن. سعد بن معاذ. ثم أخذ حربته، وانصرف إلى سعد وقومه، وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد ابن معاذ مقبلاً. قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما، فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة، خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك. قال: فقام سعد بن معاذ مغضباً مبادراً مخوفاً، للذي ذكر له من بني حارثة، وأخذ الحربة في يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً، ثم خرج إليهما سعد، فلما رآهما مطمئنين، عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف متشتماً، ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة، والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت "بلغت" هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره؟ قال: وقد قال أسعد لمصعب: جاءك والله سيد من ورائه قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان. قال: فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع، فإن رضيت أمراً رغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟ قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة، وجلس فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن.
وذكر موسى بن عقبة: أنه قرأ عليه أول الزخرف. قال: فعرفنا والله في وجهه الإسلام، قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم، ودخلتم في هذا الدين؟ قالا تغتسل فتطهر، وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين. قال: فقام فاغتسل، وطهر ثوبيه، وشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته، فأقبل عائداً إلى نادي قومه، ومعه أسيد بن حضير. فلما رآه قومه مقبلاً قالوا: نحلف بالله، لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم، قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً، وأيمننا نقيبه، قال فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام، حتى تؤمنوا بالله ورسوله.
قال: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة، ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة، فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام، حتى لم تبق دار من دور الأنصار، إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، وواقف، وتلك أوس وهم من الأوس بن حارثة، وذلك أنهم كان فيهم أبو قيس بن الأسلت، وكان شاعراً قائداً لهم، يستمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإسلام حتى كان بعد الخندق(2).
الدروس والعبر
============
مصعب بن عمير نموذج للداعية المخلص الصادق الذي تفتقر إليه مجتمعاتنا التي ملئت بدعاة فقراء من كل مقومات الداعية الناجح، ومن حياته نستخلص بعض الدروس والعبر وفي مقدمتها:

1- بالإخلاص والتضحية تنتشر الدعوات:
إن إخلاص الداعية وصدقه، وحبه لدعوته وشغفه بها وتضحيته العزيزة الغالية في سبيلها لهما من أهم عوامل النجاح، وإقبال الناس على دعوته.
وما أقبل الناس على الإسلام في صدره الأول، ودخلوا فيه أفواجاً إلا لتضحيات الصحابة والتابعين بكل غال ورخيص في سبيل تبليغ دعوتهم.
وما انصرف الناس عن الإسلام، وما ضعف ووهن في قلوب معتنقيه، إلا بإخلاد دعاته إلى الراحة والدعة، والإقبال على الترف الزائد، والنعيم المترف، الذي أقعدهم عن تحمل الصعاب، وحال بينهم وبين تكبد المشاق، وأفقدهم صدق كلماتهم عن الجهاد والتضحية، فلم تجد آذاناً صاغية، ولا قلوباً واعية..
2- ولعل هذا هو السر في إقبال الناس على كل داعية مخلص في عصرنا وكل عصر، وكيف لا وليس لهم من زاد في دعوتهم التي ينطلقون بها، إلا الإخلاص والوفاء والصدق والتضحية الغالية، التي لا تقف عند حد.
إن صدى الكلمات المخلصة الصادقة يجوب الأرجاء ويعم الأنحاء، حتى إنه ليصل إلى كل مكان على سطح المعمورة قال تعالى: ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (التوبة:32).
2- نبع القلب يفيض على القلوب:
إن الدعوة النابعة من القلب تجد طريقها إلى قلوب الناس ميسرة، وقد قال ابن عطاء: "كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز". إن لهذه الجملة من حكم ابن عطاء، لدلالات يجب أن يفطن لها الدعاة إلى الله الذين يرشدون الخلق إلى خالقهم، ويعرفونهم على طريق الهدى، الذي جاءنا به الرسول ص، وليعلم هؤلاء الدعاة أنهم بقدر ما يتمكن الإيمان في قلوبهم بقدر ما يكون تأثير حديثهم في هداية الناس وإرشادهم، ولقد جاء في الحكم أيضاً: "تسبق أنوار الحكماء أقوالهم، فحيثما صار التنوير وصل التعبير". وعلامة الكلام الذي يسبقه التنوير، تأثيره في القلوب وتهييجه الأرواح، وتشويقه الأسرار، فإذا سمعه الغافل تنبه، وإذا سمعه العاصي انزجر، وإذا سمعه الطائع زاد نشاطه، وعظم شوقه، وإذا سمعه السائر طوى عنه تعب سيره، وإذا سمعه الواصل تمكن من حاله، فالكلام صفة المتكلم، فإذا كان المتكلم ذا تنوير وقع في قلوب السامعين، وإذا كان ذا تكدير فَحَدُّ كلامه آذان المستمعين، فكل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز، لذلك قال سيدنا علي كرم الله وجهه: "من تكلم عرفناه من ساعته، ومن لم يتكلم عرفناه من يومه".
3- الحلم والصفح:
على الداعية أن يقبل السيئة بالإحسان، وأن يكون متصفاً بالحلم والصفح، وأن يعلم أن الطريق لكسب القلوب المعادية للدعوة إنما يكون بالإحسان إلى من أساء، وتذكُّر قول الله تعالى دائماً: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (فصلت:34).
ألا ترى إلى مصعب وقد جاءه أسيد، ثم سعد، وكل منهما وقف عليه متشتماً، فما غضب ولا ثار ولا تأثر، ولكنه رد عليهم الرد الجميل، وهدأ من غضبهم، حتى أجلسهم للاستماع للحق الذي يغزو القلوب، ويأسرها حين تتجرد، وتسمعه من قلب صادق متجرد .. ألا تسمع لقول أسعد لمصعب: "هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه"؟
4- إشراقة الإيمان تظهر في الوجه:
الإيمان حين يتسرب إلى القلوب وتتشربه الأفئدة تبدو آثاره منذ اللحظة الأولى على محيا صاحبه؛ ألا تتأمل في قوله: "والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله .. وحين نظر سعد بن معاذ إلى أسيد وقد أقبل يكسو نور الإيمان وجهه، فقال سعد: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم..
وهذا الأمر نفسه يتكرر مع سعد بن معاذ حين يؤمن .. نعم شتان بين وجه مظلم بظلمة قلب صاحبه لكفره أو لاستغراقه في المعاصي، ووجه مضيء منير بقلب صاحبه الذي مُليء بنور الإيمان والطاعة .. فالوجه مرآة: إما أن تعكس نور القلب وسناه، وإما أن تعكس ظلمته وقسوته.
وما أجمل قول الشاعر: تريك أعينهم ما في صدورهم إن العيون يؤدّي سرَّها النظر وقال الحكماء: العينان أنمّ من اللسان. وقال بعض البلغاء: الوجوه مرايا تريك أسرار البرايا (4).

5- أثر السيد في قومه عظيم:
إن الرجل الذي يكون سيداً في قومه تتطلع إليه الأنظار، ويكون قدوة لمن خلفه من الأتباع، ومن ثم تكون كلمته فيهم مسموعة، وأثره فيهم كبيراً، وهو إما أن يقودهم إلى الحق، ويرشدهم إلى الخير، أو يحول بينهم وبين الهداية، فسعد بن معاذ رضي الله عنه حين يشرق الإيمان على فؤاده، ويحل نور الإسلام في قلبه، يتوجه إلى قومه، فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمة .. بينما أبو قيس بن الأسلت، يحول بين قومه وبين نور الهداية سنين، ولله في خلقه شؤون.. إن هذا يجعل المسلم الداعية يحرص على أن يتوجه بدعوته أيضاً إلى كبار القوم، ولا ييأس من أن يهدي الله منهم رجلاً واحداً فيهدي الله به خلقاً كثيراً، فيعظم الأجر، ويعم النفع والخير.
**الهوامش
(1) فتح الباري 7-260-3925
(2) سيرة ابن هشام 2-58
(3) إيقاظ الهمم في شرح الحكم 321.
(4) أدب الدنيا والدين -256.

بنت السلطنة

:: عضو نشيط ::

#2



التربية الجمالية في الإسلام




إن الإسلام دين الفطرة التي قال فيها الحق سبحانه ((فِطْرَتَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)) وتتمثل هذه الفطرة في طهارة المسلم ظاهراً وباطناً، فـأمـا طهارة الباطن فهـي متعلقة بالقلب وتعني تطهير النفس الإنسانية من الشرك بالله ، وتتطـلـب إخــلاص العـبادة لله وحده لا شريك له ، والقيام بالأعمال الصالحة والأفعال الخيرة . وأما طـهـارة الـظـاهر فهي الفطرة العملية التي تشتمل على كل ما كان متعلقاً بجمال المظهر عند الإنسان المسلم وحسن سمته . لما في ذلك من ملاءمة للفطرة السوية التي خلق الله الإنسان عليها ، والتزام بهدي النبوة المبارك. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جــزءاً مـن النبوة" رواه أبو داوود .

ولأن الإسلام هو دين الفطرة الذي عرف أسرارها ، وكشف خباياها ، وسبر أغوارها ، فقد قدم لها ما يُصلحها وما يصلح لها من تعاليم وسنن وتوجيهات جاءت كالثوب الـمـنـاسـب لمختلف الأعضاء ، والملائم لشتى الأبعاد . لذلك كله جاءت سنن الفطرة لتشكل رافداً مــن روافــد الـتـربية الجمالية في حياة المسلم ، ولتعرض نموذجاً مثالياً لحياة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، كما إنهـا تحقـق مـعـنـى التوازن الذي تفتقده جميع الفلسفات البشرية التي عرفها الإنسان قديماً وحاضراً حيث إنـهـا ترتكز مرة على الجانب الجسدي ، وتارة على الجانب العقلي ، وأخرى على الجانب الـنفـسي وهكذا..

كل هذا يعني أن سنن الفطرة تضع الشخصية المسلمة في وضع متوازن عادل يمثل الوسطية المطلوبة فلا إفراط ولا تفريط . وليس هذا فحسب بل إن هـذه الـسـنـن فـي مجـموعها تمنح الإنسان تكريماً إلهياً يأتي كأبدع ما يكون التكريم .

وهـذا الـبـحـث يقــدم مــن خـلال سنن الفطرة نموذجاً للتربية الإسلامية يتحقق في كرامة الإنسان المسلم الذي أراد الله -جـل وعــلا- أن يكون خليفة في الأرض ، ويتمثل في توازن شخصيته في جوانبها المختلفة ، كما يتحقــق فـيـه أيـضـاً هدف التربية الغائي في استقامة الإنسان واستقامة الحياة، وذلك أسمـى مــا تصـبـو إلـيـه الـتـربـية، عند بنائها لشخصية الإنسان المسلم .

سنن الفطرة نموذج تربوي نبوي :

تحتاج كل تربية إلى نموذج واضح يجسد معالم هذه التربية ويوضح تعاليمها بصورة واقعية تنقل المجرد إلى محسوس ، والقول إلى عمل ، والنظرية إلى تطبيق .

وفي التربية الإسلامية لا يوجد أعظم ولا أكمل ولا أفضل من شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - لتكون نموذجاً حياً ، وقدوة حسنة للإنسان المسلم في كل زمان ومكان . ولا ريب فهو من اصطفاه ربه -جلا وعلا- وقال فيه : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) [الأحزاب 21] . وهو الذي بعثه الله لأمته معلماً ومزكياً ومربياً . قال تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والْحِكْمَةَ)) [آل عمران 164] . وهو الذي مدحه ربه سبحانه بما منحه فقال له سبحانه في كلمات موجزات : ((وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم 4] . فكان كل خلق فاضل وسلوك سليم متمثل في حياة رسول الله وشخصيته المتكاملة التي استوعبت كل جوانب الحياة .

وبذلك جسَّد الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهج التربية الإسلامية السامية في الواقع العملي لحياته متمثلاً في سنن الفطرة . من هنا كان للمحافظة على هذه السنن أثر تربوي عظيم يتمثل في أن التزام المسلم بها وتطبيقه لها في واقع حياته يدل على أمرين هما :

* التصديق بما ورد في سيرة الرسول والتقليد والاتباع لهدي التربية النبوية في كافة الأعمال وجميع التصرفات . وهذا بدوره كفيل بتعود المجتمع المسلم بمن فيه من أفراد على السمع والطاعة والامتثال لأوامر الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لا سيما وأن في الناس نزعة فطرية لتقليد ومحاكاة من يحبون ، وليس هناك أحب عند المسلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

* اتخاذ القدوة الحسنة من المعلم الأول والمربي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - كشخصية فذة متكاملة متوازنة . وتتضح هذه القدوة في اهتمامه بالجوانب المتعلقة بالجانب الجسمي والنظافة العامة حينما يتفقد المسلم أظافره فيقصها ، وفمه فينظفه ، وأسنانه فيسوكها ، وشاربه فيقصه ، وإبطيه فينتفهما... الخ .

وهذا بدوره ينفي الزعم الباطل القائل بأن الإسلام لا يهتم بالناحية الجسمية بل ويؤكد قضية التوازن في اهتمام التربية الإسلامية ورعايتها لمختلف الجوانب الجسمية والروحية والعقلية ، فلا يستغرب بعد ذلك أن يعرف المسلم لأول وهلة حين يرى سمته ووقاره ، وهيئته الخارجية وشكله العام الذي يميزه عن غيره من الناس. لأن هذه السنن في مجموعها جعلت له شخصية مميزة ، ومظهراً خاصاً ، ونموذجاً فريداً يقتدي فيه بإمام الطاهرين وقدوة الناس أجمعين - صلى الله عليه وسلم - .

سنن الفطرة والتربية الجمالية :

تدعو التربية الإسلامية دائماً ، وتحث على الاهتمام بالمظهر الشخصي والناحية الجمالية ، ليكون المسلم جميلاً في مظهره ، متناسقاً في هندامه ، بعيداً عن الدروشة والقذارة والإهمال . قال تعالى: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) [الأعراف 31] . فالله سبحانه كما جاء في الحديث : "جميل يحب الجمال" . وليس هذا فحسب بل إن في ذلك إشباع لحاسة الجمال في نفس المسلم ، فيتولد في أعماقه إيمان شديد بعظمة الخالق سبحانه الذي أحسن كل شيء خلقه ، والذي صورنا فأحسن صورنا ، وخلقنا في أحسن تقويم .

ومن عناية الإسلام بالمظهر الحسن والهيئة الجميلة أمره للمسلم وحثه إياه للالتزام بسنن الفطرة التي تربي المسلم تربية جمالية تتمثل في :

* الطهارة الحسية الجسدية ، وهي مما يحبه الله سبحانه . قال تعالى : ((واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ)) [التوبة 108] . ولما روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "تنظفوا فإن الإسلام نظيف" رواه ابن حبان . ويتمثل ذلك في تطهير البدن بالوضوء والغسل فينعكس ذلك بدوره على المظهر الخارجي .

* الطهارة المعنوية التي تغرس في النفوس تطهير الضمير كعبادة وطاعة وامتثال لأوامر الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .

وهذه التربية الجمالية تؤدي بدورها إلى تطهير النية والعمل والسلوك ، فنظافة المظهر مدعاة لنظافة الجوهر ، ونظافة الشكل مدعاة لنظافة الضمير ، ونظافة الفرد مدعاة لنظافة المجتمع . وبذلك يتحقق بعد تربوي إسلامي عظيم متمثل في طهارة المجتمع المسلم طهارة معنوية من الفواحش والمعاصي والذنوب والآثام ، فترتفع النفس المسلمة من رجس الفوضى وأوحال الوحشية إلى نظافة الأخلاق وتهذيب السلوك . ومن ثم يتم تطهير الحياة الاجتماعية عامة حتى تصبح التربية شاملة للنفس والعقل والجسم .

وليس هذا فحسب بل إن في هذه السنن مدعاة لتأليف القلوب ومد جسور المحبة والمودة ، وتوطيد الصلة بين الإنسان المسلم وزوجه ، فتكون حياتهما مبنية على الرحمة والمودة ، وقائمة على السكن والراحة والقبول . وليس أجمل من أن يكون - كلا الزوجين مناسباً للآخر ، وملائماً له ، مقبولاً عنده في شكله وهيئته لأن ذلك مدعاة للائتلاف والرضى ، وسبب مباشر لقناعة كل منهما بالآخر . وهذا بدوره سيؤدي إلى استمرارية سعادتهما الزوجية .

ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوة تحتذى في هذا الشأن . يقول ابن الجوزي : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أنظف الناس وأطيب الناس" . وقد قالت الحكماء : من نظف ثوبه قلّ همه ، ومن طاب ريحه زاد عقله ، ومن طال ظفره قصرت يده . ثم إن المسلم بالتزام سنن الفطرة يقرب من قلوب الخلق ، وتحبه النفوس لنظافته وطيبه . كما أن سنن الفطرة تنمي لدى الإنسان الإحساس بالجمال ، وتنمي طاقاته وملكاته المستشعرة لمعنى الجمال في خلق الله سبحانه .

وأحسب أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله جميل يحب الجمال" إنما هو دعوة إلى التخلق والتحلي بالجمال الذي هو البهاء والحسن وجمال الصورة وجمال المعنى على حد سواء .

سنن الفطرة والتوازن في شخصية المسلم :

مما لا شك فيه أن الكيان البشري يشتمل على عدة وحدات هي : الجسم ، والعقل ، والروح . ولذلك فإن التربية الإسلامية حرصت على الربط بين هذه الوحدات لتجعل منها كياناً واحداً مترابطاً ، واختطت لذلك منهجاً فريداً في إحاطته بجميع الجوانب الإنسانية ، فجاء هذا المنهج متوازناً مهتماً بالذات الإنسانية في كل حالاتها . ولا ريب فهي تربية للإنسان كله جسمه وعقله ، روحه ووجدانه ، خُلقه وسلوكه ، سرائه وضرائه ، شدته ورخائه ، أي أنها تشمل كل الجوانب الشخصية دون قهر أو كبت أو فوضى أو تسيب أو إفراط أو تفريط.

ولذلك جاءت شخصية الإنسان المسلم متوازنة سوية متكاملة ، لا يطغى فيها جانب أو يهمل على حساب الجانب الآخر . وهذا هو ما نلمسه في هذه السنة هي التي إلى جانب كونها من المظاهر الدنيوية فهي عبادة يثاب عليها المرء ، وتكسبه الأجر والثواب متى قصد بها وجه الله سبحانه والاقتداء بهدي النبوة . وهذا بدوره يربط بين الهدفين الديني والدنيوي للتربية الإسلامية . وبذلك يتحقق التوازن في شخصية الإنسان المسلم حينما نرى أن التزامه بهذه السنة يجعل الجسم يحظى بحق من العناية والرعاية والاهتمام فيما يخص المظهر الخارجي والشكل العام اللائق المقبول . فيدل ذلك على أن الإنسان ينعم بعقل راجح وتفكير سديد ، ومدارك واسعة وفهم عميق لحقائق الأشياء وجوهرها . الأمر الذي يدفعه من ثم إلى السمو الروحي والرفعة الإنسانية والتعالي عن سفاسف الأمور وصغائرها وحطامها المادي الحقير .

كما أن اتباع المسلم لما يسمى بسنن الفطرة يؤدي إلى ما يسمى بالقبول الاجتماعي للفرد . حين يقترب منه الناس ويطمئنون إليه ويعاملونه بكل حب وتقدير واحترام لأنه يفرض ذلك عليهم بحسن مظهره وحسن تدبيره . لذلك كله نقول ونؤكد أن دين الإسلام هو الدين الوحيد القادر على ربط الإنسان بخالقه وإصلاح حاله في كل زمان ومكان حينما يمشي على الأرض بجسم ، ويتوجه بروحه إلى السماء ليستمد منها أنوار الهداية والمعرفة فيحكم عقله فيها ويختار منها ما يناسب حاله ، ويوافق قدراته ، ويلبي حاجاته ، فتسير حياته وفق منهج مستقيم وهدي قويم .

سنن الفطرة دليل تكريم الله للإنسان المسلم :

لما كان الدين الإسلامي هو المنهج الرباني المتكامل والمناسب للفطرة الإنسانية ، لأنه جاء من عند الخالق -عز وجل- لصياغة شخصية الإنسان صياغة متوازنة متكاملة ، لا ترفعه إلى مقام الألوهية ، ولا تهبط به إلى درك الحيوانية أو البهيمية ، وإنما لتجعل منه خير نموذج على الأرض ؛ فقد خصه -جل وعلا- بتكريم يليق به لكونه جُعل في الأرض خليفة ليعمرها وينشر منهج الله بين ربوعها ويقيم شريعته فيها . ثم لأنه - جلا وعلا - خلقه في أحسن تقويم فكرمه بالصورة الحسنة والمظهر الجميل ، فكانت سنن الفطرة عاملاً مهماً في إبراز هذا الجمال والمحافظة عليه . وليس هذا فحسب بل إن الله كرم الإنسان بأن نفخ فيه من روحه ، قال تعالى : ((إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ * فَإذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)) [سورة ص 71-72] . فكان ذلك تكريماً للكائن البشري وتمييزاً له عن سائر المخلوقات ، إضافة إلى ما خصه الله به من نعمة العقل . فكان للجانب العقلي انعكاس على سلوكه وتصرفاته تجعله يحكم ذلك العقل كثيراً ، لا سيما وأن ذلك العقل يعد مناط التكريم الإلهي للإنسان .

ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن في هذه الخصال والسنن النبوية نمطاً تربوياً إسلامياً يتناسب مع مسئوليات هذه الخلافة ووظائف تعمير الكون ، إلى جانب كونها تحقق مبدأ التكريم الإلهي للإنسان في هذه الحياة الدنيا . وهو أمر يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات الحية الأخرى لقوله تعالى : ((ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)) [الإسراء 70] . ففي قص الأظافر مثلاً تمييز للإنسان المسلم عن غيره من الكائنات ذات المخالب من كواسر وقوارض ونحوها . وفي حلق الشعر وقصه ونتفه تمييز للإنسان المسلم عن غيره من المخلوقات ذات الشعور المرسلة ، والمسدلة على أجسادها بلا ترتيب ولا انتظام . وفي السواك والمضمضة تمييز للإنسان المسلم عن غيره من الكائنات التي لا تنظف أفواهها ولا تعتني بنظافة أسنانها.. وهكذا .

وهذا فيه رفع لمستوى الإنسان المسلم وتكريم له على غيره من الكائنات والمخلوقات الأخرى لذا كان على الإنسان المسلم أن يحترم هذه المكانة التي أنزله الله إياها ، وألا يهبط بها عن مستواها الإنساني الرفيع الذي خصه الله به عمن سواه . ومن هنا نرى أن سنن الفطرة دليل على تكريم الخالق سبحانه للإنسان المسلم لأمرين هما :

* إن تكريم الله سبحانه للإنسان نابع في الأصل من كون هذا الإنسان يحمل منهج الله في الأرض ، وأن هذا المنهج يعتمد على مصدرين رئيسيين أحدهما متمثل في اتباع الهدي النبوي والسنة المطهرة .

* أن من السنة الاقتداء برسول الله ، وهذا يحصل للمسلم عن طريق محافظته على سنة الفطرة .

سنن الفطرة والاستقامة الإيمانية :

من المسلمات أن التربية الإسلامية تسعى إلى تحقيق غاية عظمى ، وهدف أسمى يتمثل في استقامة النفس البشرية على نهج الإيمان الواضح الصحيح الذي لا تشوبه شائبة ، وذلك أمر لا يمكن تحقيقه إلا بممارسة شرائع الإسلام واتباع تعاليمه ، والانقياد لأوامره والابتعاد عن نواهيه . فالاستقامة إذاً مرحلة ثانية تأتي بعد الإيمان لأنها أثر من آثاره ونتيجة من نتائجه . قال تعالى : ((ومَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً)) [النساء:125] . وقال - صلى الله عليه وسلم - : "قل : آمنت بالله ، ثم استقم" رواه مسلم . فهذه الاستقامة الإيمانية لا تتحقق إلا بالفقه الشرعي ومعرفة أمور الدين ، والإحاطة بتعاليمه ، ورعاية الأخلاق وتطبيقها في واقع الحياة ليصبح الإنسان المسلم بذلك كله قدوة صالحة وأسوة حسنة. ثم لأنه متى استقام قلب المسلم على معرفة الله سبحانه وعلى خشيته وتقواه في كل لحظة وفي كل صغيرة وكبيرة؛ استقامت جوارحه كلها على الطاعة والامتثال .

وهذا يؤهل من قام به والتزمه ليكون من حملة الرسالة الخالدة الذين قال الله سبحانه فيهم : ((إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [ فصلت 30] .

ومن هنا يمكن القول بأن من ثمرات التزام المسلم بسنن الفطرة ما تحققه من ملامح الاستقامة الإيمانية عنده حينما يطبها بشكل مناسب ومقبول يعتمد في المقام الأول على الاعتدال والاتزان والاتباع لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - دونما إفراط أو تفريط . إضافة إلى تربية المسلم على الاستمرارية والمواصلة والمحافظة على هذه السنن المباركة والخصال الحميدة لما فيها من خير للفرد وصلاح المجتمع .

0 0

Anwar

:: منسق إداري ::

#3
بارك الله فيج

ماتقصرين على الابحاث المنوعه
سبحان الله وبحمده

بنت السلطنة

:: عضو نشيط ::

#4
شكرا لتواجدك الرائع

بارك الله فيك

خذا قلبي ورحل

:: عضو جديد ::

#5
آعلى الله مقامگ ...

بنت السلطنة

:: عضو نشيط ::

#6
حياك الله بتواجدك غاليتي

نورتي متصفحي

a.nassr

:: عضو جديد ::

#7
شكرا جزيلا على الأبحاث الرائعة حياك الله


إضافة رد


يشاهدون الموضوع : 1 ( عضو0 زائر 1)
 

الانتقال السريع